
سالم بوبكر.. نجم في سماء الثورة الجزائرية
“حامل المشعل: سالم بوبكر.. نجم في سماء الثورة الجزائرية”
في زمن كانت فيه الجزائر تئن تحت وطأة الاستعمار، برز رجل حمل في قلبه حلم الحرية وفي يديه مشعل النضال. إنه سالم بوبكر، ذلك الشاب الذي لم يتجاوز الثانية والعشرين من عمره حين قرر أن يكون جزءاً من التاريخ.
في أزقة خنشلة العتيقة، نشأ سالم حاملاً في صدره همّ وطن. تعلم في مدارسها، وأتقن لغة الضاد ولسان المستعمر، وكأن القدر كان يعدّه ليكون جسراً بين عالمين. لم تكن شهادته الابتدائية مجرد ورقة، بل كانت بداية لمسيرة نضال طويلة.
كان سالم كشمعة تضيء في ظلام الاستعمار؛ ممرضاً يداوي جراح المجاهدين، ومترجماً يحمل رسالتهم، ومناضلاً يحمل السلاح دفاعاً عن الأرض والعرض. وفي فجر الفاتح من نوفمبر 1954، كان من بين أولئك الأبطال الذين أشعلوا شرارة الثورة في جبال الأوراس الشامخة.
رافق عباس لغرور في دربه النضالي، وكان أميناً على الثورة حتى في أحلك الظروف. حين وقع في الأسر، حوّل محنته إلى منحة، فروى تاريخ نضاله بذكاء يحمي رفاقه، وبشجاعة تليق بمناضل من طراز رفيع.
بعد الاستقلال، لم يتوقف عطاؤه. واصل خدمة وطنه في قطاع الصحة، مديراً لمستشفيات عدة، وحين كتب عن الثورة، نال قلمه جوائز تليق بتضحياته. وكأن نبوءة عباس لغرور قد تحققت: “بوبكر، يوماً ما ستقوم الثورة، ونموت جميعاً، وستبقى أنت الناجي الوحيد وستكتب تاريخنا.”
كان سالم بوبكر مدرسة في التواضع والنزاهة، عاش بسيطاً في زمن طغت عليه المادة. ابتسامته الدافئة وصوته الملائكي جعلا من رواياته نافذة مشرعة على تاريخ عظيم، وكأنه كان يحمل أمانة التاريخ في قلبه.
حين رحل سالم بوبكر، لم يرحل رجل عادي، بل رحل معه جزء من ذاكرة الوطن. رحل حامل المشعل الذي أضاء دروب الحرية، وترك لنا إرثاً من النضال والتضحية والإخلاص. رحم الله سالم بوبكر، نجماً في سماء الثورة الجزائرية، سيظل يضيء للأجيال القادمة طريق العزة والكرامة.



